فى السبعينات والثمانينات كان شرطاً لازماً لكى تمتلك سمت وشفرة المثقف أن تكره وردة الجزائرية وتلعن بليغ حمدى وتشمأنط من عدوية!! كنت أخشى أن أصرح بعشقى لغناء وحنجرة وردة الجزائرية حتى لا أخرج من جنة المثقفين ذوى الياقات البيضاء برغم أننى كنت ما زلت مراهقاً وما على المراهقين ملام! إلا أننى ظللت أخفى على الجميع عشقى لوردة وأدندن بأغانيها خلسة وفى الخفاء، كنت مؤمناً بعبقرية بليغ حمدى وجنونه الفنى وأعتبره أعظم أبناء جيله، لكن الهجوم المنظم لكتاب كبار مثل أنيس منصور وغيره على وردة الجزائرية وأغانيها خاصة ألحان بليغ جعلنى أشك فى ذوقى وأكذب إحساسى، وانضمام كتيبة عبدالحليم الصحفية إلى ساحة الهجوم جعلنى أعيد النظر، وعندما أطلقت بعدها بسنوات لإحساسى العنان وسألت نفسى هل أنت مستمتع بجد مع أغانى وردة؟ وكانت الإجابة نعم، بدأ الاستمتاع الحقيقى بأغنياتها التى تحمل بصمات بليغ.

حنجرتها العفية العفوية الساكنة فى أشهر عنق عربى يطل على أجمل جيد شرقى أسرتنا وسحرتنا ولكن عكر صفو هذا السحر نموذج المثقف الجاهز الذى لا بد أن يكره وردة ويعشق فيروز وفايزة، وكأن الثلاثى لا يمكن أن يجتمع ويسكن القلب، هذا العشق البليغى جعل هذا العبقرى ينسج من وجدانه المشتعل عشقاً وجنوناً ألحاناً خالدة، وبرغم الشائعات المدمرة بداية من طردها بسبب المشير عامر إلى استئجارها للبلطجية فى حفل قارئة الفنجان، كانت وردة تكسب وتضم معجبين جدداً إلى طابور العشاق.

«على الربابة بغنى» لا يمكن بأى مقياس منطقى أن تخرج بتلك العفوية وتلك السرعة وذلك الصدق والسحر من ملحن عسكر أمام ماسبيرو فى أكتوبر طالباً دخول الاستوديوهات حتى سمحوا له بالدخول لتخرج هذه الملحمة الغنائية بأوتار حنجرة وردة التى عزف عليها بليغ الذى امتلك عصارة وناصية بلاغة الموسيقى الشرقية!

تذكرت النموذج الجاهز الذى يفرضه عليك الذوق العام ويفرض عليك خيانة إحساسك الحقيقى، سيديهات وردة فى سيارتك بينما أنت تخرج فى أى مقابلة تليفزيونية مواجهاً الكاميرات لتقول إنك تكرهها ولا تطيق سماعها!! كانت وردة هى الزوجة غير الرسمية لذوق الكثيرين، وهى التى تخجل من اصطحابها فى المناسبات العامة، وما إن تخلع ربطة عنقك وحذاءك الضيق اللامع وتأخذ شاور حتى تنطلق حنجرتك بالغناء لها!

أستمع الآن إلى «أكدب عليك»، أدندن معها غير خائف من أن أتهم بأننى عاشق لوردة ومتيم بألحان من أخرج الكنوز من مناجم حنجرتها الآسرة، نعم أنا لست خجلان ولكنى نادم على تلك السنوات التى كبت فيها وقهرت حنجرتى المشروخة بأن تغنى للمفروضين على وليس لمن أحبهم بالفعل.